البحث
  كل الكلمات
  العبارة كما هي
مجال البحث
بحث في القصائد
بحث في شروح الأبيات
بحث في الشعراء
القصائد
قائمة القصائد
مناسبة القصيدة : حياة عناء وموت عنا


اللزومية الخامسة و الثلاثون (وهي اللزومية الخامسة بقافية الألف) حسب شروح لزوم ما لا يلزم :(بحر المتقارب) عدد الأبيات (20) عناء في الحياة والموت: (1) الألف والنون على رأي من جعل الألف في هذه القافية روياً: (2) ويستوقفنا في نشرة د. طه حسين والأبياري أنهما ينقلان كلام البطليوسي من غير أن ينسباه إليه في كل اللزوميات التي شرحها . وهي القطعة الخامسة و الثلاثون حسب ما أورده الدكتور طه حسين في كتابه "صوت أبي العلاء" ص101 وهو كتاب يتضمن شرح خمسين لزومية، نشرت لأول مرة عام ١٩٤٤ : منها ٣٦ لزومية مما قافيته همزة وألف، والباقي من قافية الباء وكل ذلك أدرج ضمن نشرته لشرح اللزوميات لاحقا عام ١٩٥٥م، وقال في شرحه للزومية: حياة تُعنِّينا آلامها، وموت يعذبنا خوفه. فليت ما يؤذينا مضى، وليت ما يخيفنا وقع. ماذا أحمد من الحياة، وإنما هي أمل يثمر اليأس، ورجاء يغلُّ القنوط. نفس متمنية للسعادة، وعين رانية إلى النعيم، ويد قد أصفرها الفقر وأخلاها الشقاء، ولهاة قد أجفَّها الظمأ وأذواها الصدى. لشد ما أشهد في هذه الحياة من تلون، ولشد ما أرى فيها من خداع. أناس يحبون الخير ويرغبون فيه، فإذا حققت أمورهم وتبينت أسرارهم رأيت أن حبهم للخير وحرصهم عليه ليس إلا تجارة كاسدة يبتغون بها الذكر الطائر والشهرة الكاذبة والصيت البعيد. أَوْقِدْ أيها الموقد نيرانك في جوف الليل، وارفع سناها على رؤوس الجبال وشغافها؛ فقد علمت أنك لم تُرِدْ بذلك وجه الله ولا فعل الخيْر، وإنما أحببت أن يشيع حمد الناس لك وثناؤهم عليك. حقق أيها الباحث نظرك في الأمور، وأجِدْ بحثك عنها واستقصاءك لها، تجد أن غاية ما ينال المرء من حياته إنما هو ثوب يستر جسمه، وقوت يقيم أوده، وراحة تدفع عنه الأسقام والأمراض. لقد كثر الثمن وخسرت الصفقة، وبذلنا هذا الجهد العظيم ثمناً لهذا الحظ القليل من الحياة. ما أجمل الموت وما ألذه، وما أكفله للراحة وأنفاه للتعب، يسكن أحدنا القبر فلا يحفل بما أفاد من ثروة وما اقتنى من طرائف. يعود تراباً لا يلذُّ له مس الحرير ولا يؤذيه طعن القنا، ولا يؤلمه ما نال من موت زُعاف قد حمله إليه صارم صافي الفرند ماضي الحد مرُّ المذاق. لا يزدهيه الغضب ولا تأخذه العزة إن ذمه الناس أو مدحوه، سواء عليه سيئ ذلك وحسنه وقبيحه وجيِّده. ألَا من كانت قد أعجبته الحياة فإني قد أعجبني الموت، ألَا إن من نال الخير خليق أن يهنأ به ويغبط عليه، ولكني لا أرى الحياة خيراً ولا أعتدها نعمة. لقد كثرت مذاهب الناس في مصدر ما اشتملت عليه الحياة من شر: فمنهم من حمد المادة وأنكر الروح، ومنهم من ذم المادة وجعلها مصدر الشرور وعلة الآثام، وزعم الروح بريئاً من كل عيب خالصاً من كل سوء، والجسم مصدر آلامه وعلة شقائه. وما أرى هذه الطائفة من الناس إلا غالية مغرقة. ماذا فعل الجسم المسكين؟ وماذا جنى؟ لقد كلَّفه الروح مشاق الأعمال وأنواع الآلام فاحتملها طائعاً وقام بها مذعناً حتى أدركه البلى وأصابه الفناء. أجلْ، لقد كلفه الروح من أعاجيبه ما يفوق الطاقة ويتجاوز الحد، فما عصى أمراً ولا استهان بنداء. أفإن أبلتْه الخدمة وأفنته الطاعة يكون نصيبه الذم والعيب؟ لقد أخطئوا في ذمهم للجسم وكذبوا في عيبهم عليه؛ فما رأينا الجسم في نفسه إلا مصدراً للخير وسبباً للنعمة. وما رأينا الشر والشقاء والغيَّ والفساد إلا تابعة للحياة يصحبها الروح. دونك الغصنَ الذي هو جسم صرف ليس له من العقل والروح نصيب، ودونك الإنسانَ العاقل المفكر، فانظر أيهما إلى الخير أدنى وإلى الفائدة أقرب، تجد الغصن قد أعطى النعيم واللذة وأجنى الفواكه والأثمار، والإنسان قد أوجد الجحيم والشقاء وجنى الآثام والشرور. لقد برئ الجسم الخالص من المين والتكلف ومن الكذب والزور، فما تبرَّأ مما هو فيه، ولا حرص على الرجوع إلى ما فاته، ولا ذاق كذب الآمال ولا جرَّب ضلال المُنى. انظر إلى الإنسان ذي العقل والفكر كيف ضلَّ عقلُه وصغر فكره، فكَّر في الشيب وقد أصابه، وأحب الشباب وقد فاته، فظن أن الخِضاب يدفع عنه ما أتى، ويرد عليه ما فات، ونسي أن تغير اللون واستحالته لا يدفعان عنه ما دهمه الشيب به من انحناء الظهر وانثناء المتن. انظر إليه كيف خدعته الأوضاع المختلفة والأصول المنتحلة، فحكَّمها في نفسه وسلَّطها على عمله، مع أنه هو الذي اخترعها ولم تكن موجودة، وانتحلها ولم تكن معروفة، واتخذ منها لنفسه قيوداً وأغلالاً تعوقه عن الخير، وتثنيه عن الكمال. جعل في الناس أحراراً وعبيداً، وفرَّق بين ابن الحرة وابن الأمة في الحكم، وباعد بينهما في نظر العقل. وما أرى بينهما فرقاً؛ كلاهما إنسان يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. فرَّق بين المُحْصَنة والزانية، وأخذ ابنيهما بحكمهما، فأخذ ابن الزانية بجناية أمه، وربما كان خيِّراً فاضلاً، ومدح ابن المحصنة بطهارة أمه، وربما كان شريراً آثماً. ما أضلَّ عقلَه وأسْفَهَ رأيَه وأجدرَه أن يتخلص من هذه الأغلال. انظر إليه بَطِراً أَشِراً يحب الحياة ويرغب فيها، حتى إذا طالت له أنفقها في الزور والخنا، وأمضاها في الإثم والفجور. انظر إليه كيف نسي نصيبه من الموت حين حُجب عنه وخفي عليه، فظن أنه خالد لن يموت وأنه لا يفنى، حتى إذا ظهر خطؤه وبانَ خطله تقطَّع قلبه حزناً لفراق الحياة، وتفرَّقت نفسه فزعاً من لقاء الموت، ولو قد كان متبصراً في الأمور مستقصياً لعواقبها لكان بنجوة من هذا الفزع وذلك الحزن. انظر إليه كيف أصم أذنيه عن هذا الصوت المُرِنِّ، وكيف أعمى عينيه عما يقدِّم الدهر إليه من آيات بينة وحجج ناصعة، تظهر له غروره واضحاً، وفتونه جليّاً. انظر إليه كيف خدعته أوهام الأقدمين وأضلَّته أساطير الأولين، واتخذ لنفسه شرائع مكتوبة وطقوساً من العبادة ظاهرة، يزعم أنها تدخله الجنة وتعصمه من النار. لقد فزتَ أيها الشقي التعس إن صدَقتك هذه الأوهام وصحَّت لك هذه الوعود. فزتَ بالجنة ونعيمها، وبرئت من النار وجحيمها بزيارتك لتلك الأحجار القائمة والأبنية الماثلة بمَكة ومِنىً. (1)حرف الألف- الألف والنون على رأي من جعل الألف في هذه القافية روياً-: ص 80-81 شرح نَديم عَدِي_ ج1/دار طلاس للدراسات/ط2. (2) فصل الألف هذا الفصل يحتمل وجهين، أحدهما أن يكون على ما رتَّبتُ، والآخر أن يكون الرويّ ما قبل الألف وتكون الألف وصلا- الألف والنون على رأي من جعل الألف في هذه القافية روياً-: ص 229 تأليف الدكتور طه حسين، إبراهيم الأبياري ج1/دار المعارف بمصر. ****** أما عن شهرة أبيات هذه اللزومية فلم نقف على ذكر لبيت من أبياتها فيما رجعنا إليه من المصادر ماعدا أبو المعالي الحظيري صاحب "زينة الدهر" في كتابه "لمح الملح" أورد الأبيات (9،13،14، 10،17،15) مج 1ص186 كالآتي: يُهَنَّأُ بالخَيْرِ منْ نَالَهُ=وليْسَ الهَناءُ على ما هُنَا يُنَافِى اِبْنُ آدَمَ حَالَ الغُصُونِ=فَهَاتِيكَ أجْنَتْ وهذا جَنَى يغَيّرُ حِنَاؤُهُ شَيْبَه=فَهَلْ غَيّرَ الشَّيْبَ لمَّا انحَنَى (1) إذا هو لمْ يُخْنِ دَهْرٌ علَيهِ=جاءَ الفَرِىَّ وقالَ الخَنَا ولي مَوردٌ بإناء المَنُونِ=ولَكِنَّ ميقاتَهُ ما أنَى وأقَرِبْ بِمَنْ كانَ في غِبْطَةٍ=بِلُقْيَا المُنى مِنْ لِقَاءِ المَنَى (2) (1)في لمح الملح لأبي المعالي ( غَيَّرَ الشَّيْبَ) بدلاً من (غَيَّرَ الظَهرَ). (2)في لمح الملح لأبي المعالي (بِمَنْ ..غِبْطَةٍ..المُنَى) بدلاً من (لِمَن ..غَبطَةٍ..المَنى). * والجدير بالذكر أن البيت (20) هو القطعة رقم (14) في زجر النابح أوردها أبو العلاء نفسه بتحقيق د. أمجد الطرابلسي ص24. لَقَد فُزتَ إِن كُنتَ تُعطى الجِنانَ=بِمَكَّةَ إِذ زُرتَها أَو مِنى# قال أبو العلاء في الرد على من اعترض عليه في هذا البيت: هذا حَثٌّ على الحج ونَدْبٌ إليه، كما يقول الرجل: (إنْ أعطيتُ هذا الفرسَ بمئة دينار لقد فزتُ). أي إنه رخيص يساوي أضعاف ذلك. وإن خلود الأبد في النعيم ليُغتنم بسفر سنين يُصبَر فيه على فقدِ سنة وورود أمواهٍ أسِنة. فكيف بِسَيرِ شهر تُحرَز به فوائد الدهر. هـ_هذا كلامه من الزجرهـ_. @


الى صفحة القصيدة »»